أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) استقالة مديرها العام تيم ديفي، والرئيسة التنفيذية للأخبار ديبورا تورنيس، بعد عاصفة من الانتقادات طالت المؤسسة إثر بث فيلم وثائقي ضمن برنامج “بي بي سي بانوراما” اتُّهم بتضليل المشاهدين عبر تعديل خطاب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بطريقة أظهرت دعمه لأعمال الشغب في مبنى الكابيتول الأمريكي عام 2021. وكانت بي بي سي قد عدلت الخطاب في فيديو قامت بمونتاج لقطتين معاً ليظهر الفيديو النهائي وكأنهما في ذات اللحظة. وذكرت صحيفة “التلغراف” البريطانية أن استقالتي ديفي وتورنيس جاءت عقب تسريب مذكرة داخلية أعدّها مايكل بريسكوت، المستشار السابق للجنة معايير التحرير في بي بي سي، كشف فيها أن منتجي “بانوراما” دمجوا مقطعين منفصلين من خطاب ترامب يفصل بينهما أكثر من خمسين دقيقة، ليبدو وكأنه يحرض على العنف بشكل صريح.
المذكرة، التي أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية والسياسية، أعادت طرح تساؤلات حول استقلالية وأخلاقيات التحرير في بي بي سي، وسط مزاعم جديدة بوجود “تحيزات ممنهجة” في تغطية المؤسسة، وبخاصة في ملفات الشرق الأوسط وقضايا الهوية الجندرية. وأفادت “التلغراف” بأن بريسكوت أعرب في مذكرته عن مخاوفه من تغطية بي بي سي عربي للحرب في غزة، مشيراً إلى “قصور مؤسسي” في التعامل مع الانحياز ضد إسرائيل، كما أبدى قلقه من “رقابة ذاتية” تمارسها فرق التغطية على موضوعات تتعلق بالعابرين جنسياً. وقال إنه شعر بـ”اليأس” من غياب المساءلة داخل أعلى المستويات الإدارية بالمؤسسة.
وفي بيان استقالته، قال تيم ديفي إن قراره “شخصي تماماً”، لكنه أقر بأن الأزمة الأخيرة ساهمت في تسريع خروجه من المنصب بعد عقدين من الخدمة. وأضاف: “بي بي سي ليست مؤسسة مثالية، لكنها ذات قيمة فريدة في وقت يتزايد فيه الاستقطاب حول العالم”. وشدد على ضرورة تعزيز الشفافية والمساءلة في عمل الهيئة.
من جانبها، قالت ديبورا تورنيس إنها اتخذت “القرار الصعب بالتنحي” بعدما بلغ الجدل حول وثائقي بانوراما “مرحلة تهدد سمعة المؤسسة التي أحبها”، مضيفة أن “المسؤولية تقع على عاتقي”. لكنها شددت على أن الاتهامات بوجود تحيز مؤسسي داخل بي بي سي “لا أساس لها”.
وفي أول رد رسمي، عبّر متحدث باسم بي بي سي عن أسف المؤسسة لأي أخطاء تحريرية، مؤكداً أنها “اتخذت بالفعل إجراءات تصحيحية، وحسّنت ضوابطها لضمان الحياد والدقة”. أما وزيرة الثقافة البريطانية ليزا ناندي، فشكرت ديفي على “خدماته للإذاعة العامة خلال مرحلة مليئة بالتحولات”، مؤكدة على “ضرورة حماية دور بي بي سي كمصدر أساسي للأخبار الموثوقة في المجتمع الديمقراطي البريطاني”.
تأتي هذه الاستقالات في لحظة حاسمة بالنسبة لهيئة الإذاعة البريطانية، بينما يستعد مجلس إدارتها برئاسة سمير شاه لبدء عملية اختيار مدير عام جديد يقود المؤسسة في مراجعة ميثاقها وفي إعادة ترميم ثقة جمهورها داخل بريطانيا وخارجها.

