“هتدفع ولا أخيط على كده؟”، عبارة يسمعها المصريون كثيرًا في المستشفيات الخاصة، قد ينطق بها الطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض أثناء إجراء الجراحة، والمريض تحت المخدر وأحشاءه خارج جسده، حسبما جاء في تقارير صحفية.
عبارة كاشفة عن سلوك ينم عن إعطاء المال والمادة أولوية، دون أي اعتبارات إنسانية، فالمريض قد يتضرر من عدم استكمال العملية، بل يمكن أن يموت، وذويه المصاحبين له أثناء إجراء الجراحة قد يكونوا لا يمتلكون المال الكافي وقتها.
وتفاقم الأمر مع جائحة كورونا، التي أدت إلى ضغط على القطاع الصحي المصري، ولاسيما في غرف عزل المرضى، وغرف العناية المركزة، التي كانت مكتظة، وقت ذروة الجائحة.
الأمر لا يرتبط بالمستشفيات الحكومية المصرية، التي يفترض أنها تكفُل العلاج المجاني، ولكن يرتبط بالمستشفيات التي تملكها شركات خاصة أو أفراد، والتي يضطر إليها من لا يجدون مكانا بالمستشفيات الحكومية، أو من يملكون المال الذي يكفل عناية طبية خاصة.
وتضم مصر 1484 مستشفى تابعا للقطاع الخاص، يتضمن 35 ألف سرير، بما يمثل 26.3% من الأسِرّة العلاجية بالبلاد، مقابل 98 ألف سرير بمستشفيات حكومية، بحسب دارسة أجرتها مجموعة شركات كليوباترا المصرية عام 2021.
أسعار مبالغ فيها
وذكر أحد المصريين لأريبيان بزنس قصة اخته التي خضعت لعملية ولادة قيصرية في مستشفى شهير بالقاهرة، قائلا إن الطبيبة خرجت من غرفة العمليات أثناء الجراحة، وذكرته بضرورة دفع مصاريف المستشفى كاملة قبل إنهاء إجراءات الخروج.
وقال المواطن المصري، الذي فضل عدم الكشف عن هويته: “كنت قد حضرت جميع الأتعاب في أظرف مختلفة، بين مصاريف الطيبية، ومصاريف المستسشفى، ومصاريف القطن والمستلزمات الأخرى. وقلت للطيبية على التو المصاريف جاهزة للدفع الفوري والكاش.”
وتداولت تقارير صحفية مصرية قصصا عن مبالغة شديدة في أسعار تلك المستشفيات، ومنها ما جاء في دعوى قضائية رُفعت ضد مستشفى شهير يقع على نيل القاهرة بمنطقة المعادي.
حيث تبين من القضية التي طالب المدعون فيها بإلغاء ترخيص مزاولة المهنة للمستشفى، وضمها لوزارة الصحة، أن المستشفى طلب من أهل مريض يجري عملية جراحية سداد مبلغ مليونين و750 ألف جنيه مصري، ما يعادل وقتها حوالي 171 ألف دولار أمريكي، وهو رقم ضخم جدا قياسا بأسعار الخدمات الطبية بمصر، حسبما نشرت موقع صحيفة “صوت الأمة” المصرية.
بعض بنود التكاليف كانت مثيرة لتندر المدعين أمام المحكمة، منها مثلا ربع مليون جنيه نظير جلسات علاج طبيعي للمريض، الذي كان يغوص في غيبوبة، ولا يمكن أن يجري هذه الجلسات.
الدفع أو حجز الجثة
وحكى محمد حسين، لموقع صحيفة البوابة نيوز المصرية، أن والده دخل مستشفى خاصًّا ومات أثناء علاجه، ورفضت إدارة المستشفى تسليم جثة والده إلا بعد دفع تكاليف العلاج، وهدده أحدهم بأن الجثة إن احتجزت ستفرغ من أعضائها البشرية!
أما بسّام سعد، وهو فقير، يعمل باليومية بمصانع الطوب بالجيزة، فقد أصيب بكسور في أماكن متفرقة من جسده، خلال حادث سير، فذهبوا به إلى أقرب مستشفى حكومي لم تكن تتوفر به الإمكانات اللازمة لإجراء جراحة دقيقة في عظامه، ونصحوا من معه بالذهاب به لمستشفى خاص بأسرع وقت.
بالفعل ذهبوا إلى مستشفى بمنطقة حلوان، وبشكل عاجل أجروا له الجراحة، وبعدها فاجؤوه بالأتعاب التي تبلغ 35 ألف جنيه نظير تركيب مسامير وشرائح.
الرجل لم يكن يملك شيئًا من المبلغ، وظل محتجزا بالمستشفى حتى جمع له أهل الخير المبلغ ودفعوه، بحسب البوابة نيوز.
وتعمل مصر الآن على تفعيل مشروع التأمين الصحي الشامل، لتغطية تكاليف تأمين علاج جميع المصريين، وهو نظام تكافلي نظير اشتراكات من المواطنين، على أن تتحمل الدولة تكلفة اشتراكات غير القادرين، وذلك وفقا لقانون التأمين الصحي الشامل الصادر عام 2018.
ولكن المشروع لم ينفذ إلا في محافظة بورسعيد، ويُنتظر أن ينفذ تدريجيا في باقي المحافظات على مدار السنوات المقبلة.
وفي يوليو الماضي قال حسام صادق المدير التنفيذي للهيئة العامة للتأمين الصحي، إن الدولة ستعمل على الانتهاء من المرحلة الأولى من المشروع، والتي تشمل 6 محافظات فقط، خلال عام، حسبما نقلت صحيفة اليوم السابع المصرية.
