انطلق قطار المشاعر المقدسة في تمام الساعة الثالثة من صباح أمس الأحد في أولى رحلاته لموسم الحج للعام 1444هـ والتي تستمر لسبعة أيام يتم خلالها نقل حجاج بيت الله الحرام عبر قطار المشاعر المقدسة بين محطاته التسع في مشعر منى ومشعر عرفات ومشعر مزدلفة.
وكانت الخطوط الحديدية السعودية (سار) قد سخرت امكاناتها طوال الأشهر الماضية استعداداً لنقل ضيوف الرحمن، حيث قامت بإجراء أعمال الصيانة الثقيلة لجميع القطارات البالغ عددها سبعة عشر قطاراً، ليلي ذلك تطوير كافة الأنظمة التشغيلية سواء الخاصة بالقطارات أو أنظمة الإشارات والاتصالات والأنظمة المستخدمة في مركز التشغيل والتحكم، وتلا ذلك إجراء مرحلتي التشغيل ما قبل التجريبي والتشغيل التجريبي للتأكد من جاهزية القطارات والمحطات والتي استمرت لتسعين يوماً.
كما تعاقدت “سار” مع أكثر من 7,500 موظف موسمي لإدارة الحشود داخل محطات القطار منهم المتحدثين بعدة لغات مختلفة إضافة الى اللغة العربية يأتي منها (الإنجليزية، الأردو، التركية، النيجيرية، الإندونيسية).

وقال مدير عام التشغيل بقطار المشاعر المقدسة موسى الزهراني إن “سار” تفخر بدورها في خدمة ضيوف الرحمن، وتعي الواجب الكبير الذي تقوم به لخدمتهم، مؤكداً تسخير جميع الإمكانيات المادية والبشرية لتيسير رحلة حجاج بيت الله الحرام وتسهيل تنقلاتهم خلال أداء مناسكهم بكل أمن وطمأنينة.
الحجاج يتوافدون إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية
بدأ حجاج بيت الله الحرام بالتوافد، صباح اليوم الاثنين الثامن من شهر ذي الحجة 1444 هـ، إلى مشعر منى لقضاء يوم التروية تقرباً لله تعالى راجين منه القبول والمغفرة متبعين ومقتدين بسنة نبيهم محمد -صلى الله عليه وسلم- مكثرين من التلبية والتسبيح والتكبير، في صورة روحانية وإيمانية.
وأفادت الشريعة السمحة أن قدوم الحجاج المقرنين أو المفردين بإحرامهم إلى منى يوم التروية والمبيت فيها في طريقهم للوقوف بمشعر عرفة سنة مؤكدة.
ويحرم المتمتعون المتحللون من العمرة من أماكنهم سواء داخل مكة أو خارجها، حيث يبقى الحجاج بها إلى ما بعد بزوغ شمس التاسع من ذي الحجة، يتوجهون بعدها للوقوف بعرفة (الوقفة الكبرى)، ثم يعودون إليها بعد “النفرة” من عرفة والمبيت بمزدلفة لقضاء أيام (10 – 11 – 12 – 13)، ورمي الجمرات الثلاث جمرة العقبة والجمرة الوسطى والجمرة الصغرى إلا من تعجل، وذلك لقوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى).

مشعر منى
يقع مشعر منى بين مكة المكرمة ومشعر مزدلفة على بعد سبعة كيلو مترات شمال شرق المسجد الحرام، وهو حد من حدود الحرم تحيطه الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكَن إلا مدة الحج، ويحَدُّه من جهة مكة جمرة العقبة، ومن جهة مشعر مزدلفة وادي “محسر”.
ويعد مشعر منى ذا مكانة تاريخية ودينية، به رمى نبي الله إبراهيم – عليه السلام – الجمار، وذبح فدي إسماعيل عليه السلام، ثم أكد نبي الهدى – صلى الله عليه وسلم – هذا الفعل في حجة الوداع وحلق، وأستن المسلمون بسنته يرمون الجمرات ويذبحون هديهم ويحلقون.

ويشتهر المشعر بمعالم تاريخية منها الشواخص الثلاث التي ترمى، وبه مسجد “الخيف”، الذي اشتق اسمه نسبة إلى ما انحدر عن غلظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء، والواقع على السفح الجنوبي من جبل منى، وقريباً من الجمرة الصغرى، وقد صلى فيه النبي – صلى الله عليه وسلم – والأنبياء من قبله، فعن يزيد بن الأسود قال: “شهدت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف”، ومازال قائماً حتى الآن، ولأهميته تمت توسعته وعمارته في عام 1407هـ.
ومن الأحداث التاريخية الشهيرة التي وقعت في منى بيعتا العقبة الأولى والثانية، ففي السنة 12 من الهجرة كانت الأولى بمبايعة 12 رجلاً من الأوس والخزرج لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، تلتها الثانية في حج العام الـ 13 من الهجرة وبايعه فيها عليه السلام 73 رجلاً وامرأتان من أهل المدينة المنورة في الموقع نفسه، الذي يقع من الشمال الشرقي لجمرة العقبة، حيث بنى الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور مسجد البيعة في عام 144هـ، الواقع بأسفل جبل “ثبير” قريباً من شعب بيعة العقبة، إحياء لهذه الذكرى التي عاهد حينها الأنصار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمؤازرته ونصرته وهجرته والمهاجرين إلى لمدينة المنورة .
كما نزلت بها سورة “المرسلات”، لما رواه البخاري عن عبد الله – رضي الله عنه – قال: بينما نحن مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار بمنى إذ نزل عليه (والمرسلات) وإنه ليتلوها وإني لأتلقاها من فيه، وإن فاه لرطب بها.