في أذربيجان، حيث التناقض الصارخ بين تطلعات العالم لمعالجة أزمة المناخ وخطط الدولة المضيفة لزيادة إنتاج الغاز الطبيعي، اختُتم مؤتمر COP29 باتفاق تمويل المناخ بقيمة 300 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2035. هذا الرقم، الذي وُصف بأنه إنجاز، بدا للبعض الآخر خطوة متواضعة أمام الفجوة الهائلة التي يواجهها العالم النامي. وبينما يُقدر العلماء أن الدول النامية تحتاج إلى 1.3 تريليون دولار سنويًا لمواجهة تغيّر المناخ، يُثير هذا الاتفاق تساؤلات عما إذا كان يكفي بالفعل لمواجهة أزمة بهذا الحجم.
COP29.. تمويل المناخ 300 مليار دولار سنوياً
لسنوات طويلة، ظلّت قضية التمويل المناخي حجر العثرة أمام التقدم في مؤتمرات المناخ. منذ COP15 في عام 2009، تعهّدت الدول المتقدمة بتقديم 100 مليار دولار سنويًا للدول النامية، لكنها لم تفِ بهذا الالتزام. اليوم، جاء الإعلان عن 300 مليار دولار كخطوة تصحيحية، لكنه قوبل بانتقادات واسعة من الدول النامية التي انسحبت وفودها، ومنها مجموعة G77+الصين والدول الجزرية الصغيرة، خلال المفاوضات، احتجاجاً على ضعف العرض الأولي البالغ 250 مليار دولار. حتى بعد رفع الرقم إلى 300 مليار دولار، وصفت الهند الاتفاق بأنه “خدعة بصرية”، بينما رأت الدول الأكثر عرضة للتغير المناخي أن الفجوة التمويلية لا تزال شاسعة.

ما يزيد من تعقيد الصورة أن هذا الاتفاق جاء خالياً من آليات واضحة لضمان وصول التمويل إلى مستحقيه. كيف سيتم توزيع هذه الأموال؟ هل ستُوجّه نحو تخفيف الانبعاثات أم التكيف مع آثار تغير المناخ؟ ومن سيضمن عدم تبددها في مشاريع غير فعالة أو في دول أقل احتياجاً؟ هذه الأسئلة تبقى بلا إجابة، مما يضعف الثقة في إمكانية تحقيق العدالة المناخية.
إلى جانب التمويل، برز موضوع أسواق الكربون في المؤتمر كأحد المحاور الرئيسية. وضعت COP29 قواعد جديدة لتنظيم هذه الأسواق، التي تُعتبر وسيلة لخفض الانبعاثات بأسعار منخفضة. ولكن التجارب السابقة تُظهر أن أسواق الكربون غالباً ما تُستخدم كغطاء لتجنب خفض الانبعاثات الحقيقي، إذ تعتمد الشركات على شراء التعويضات بدلاً من تقليل انبعاثاتها. بدون رقابة صارمة، ستتحول هذه الأسواق إلى وسيلة لتأجيل التحول الحقيقي بعيداً عن الوقود الأحفوري.

ورغم أهمية التمويل وأسواق الكربون، فإن الفشل الأكبر في COP29 كان غياب أي تقدم ملموس بشأن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، المصدر الرئيسي للانبعاثات العالمية. ورغم أن التقارير العلمية تؤكد ضرورة التخلي عن الفحم والنفط والغاز لتحقيق هدف 1.5 درجة مئوية، فإن الخلافات السياسية والمصالح الاقتصادية أعاقت تحقيق أي اتفاق. أُجّلت المناقشات حول هذا الملف إلى COP30 في عام 2025، مما يعكس غياب الإرادة السياسية للتعامل مع جوهر الأزمة.
اختيار أذربيجان، وهي دولة تعتمد بشكل كبير على تصدير الغاز الطبيعي، لاستضافة المؤتمر، أضاف طبقة أخرى من التناقض. بينما كانت الدولة المضيفة تُروّج لخططها لزيادة إنتاج الغاز، كان العالم يناقش سبل تقليل الانبعاثات. هذا التناقض أثار تساؤلات حول جدية المؤتمرات المناخية في معالجة الأزمة، وحول قدرتها على تجاوز المصالح الاقتصادية والسياسية للدول الكبرى.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبدو أن COP29 قدم للعالم درسًا مهمًا: التمويل وحده لن يكون كافياً إذا لم يقترن بخطط واضحة لتقليل الانبعاثات وبالتزام سياسي قوي. ومع اقتراب تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، يخشى كثيرون أن تؤدي أي تغييرات سياسية إلى تقويض الالتزامات المناخية الحالية، مما يُفاقم من حالة عدم اليقين.

رغم أن COP29 أحرز بعض التقدم في مجال التمويل وأسواق الكربون، إلا أن المؤتمر أخفق في معالجة القضايا الجوهرية مثل التخلص من الوقود الأحفوري وسد الفجوة المالية الحقيقية. إذا استمر هذا النهج، فإن العالم سيواجه مستقبلاً مليئاً بالكوارث المناخية التي لن تفرق بين غني وفقير. على COP30 أن يكون نقطة تحول حقيقية، حيث تُترجم التعهدات إلى أفعال، وإلا فإننا سنظل نراوح مكاننا في مواجهة أخطر أزمة عرفها كوكبنا.