Posted inمقالاتآخر الأخبارأخبار أريبيان بزنسأخبار الإماراتدولسياسة واقتصادشخصياتمنوعات

قصة اقتصادين: كيف تدفع سياسات الضرائب البريطانية الأثرياء نحو دبي

تُظهر التوقعات أن المملكة المتحدة ستخسر 9500 مليونير خلال هذا العام فقط، وهو ثاني أكبر نزوح عالمي بعد الصين

دبي

مع انتهاء أصداء إعلان ميزانية أكتوبر في المملكة المتحدة، وجد الأثرياء أنفسهم محاصرين تحت وطأة زيادة ضريبية تُعد الأكثر حدة خلال العقود الثلاثة الماضية.

تركزت هذه الأعباء على أصحاب الثروات العالية (HNWIs)، والعائلات، وأصحاب الأعمال، الذين باتوا يواجهون ضرائب مضاعفة على أرباح رأس المال والميراث، فضلًا عن فرض ضريبة القيمة المضافة (VAT) على رسوم المدارس الخاصة.

وكأن الرسالة الموجهة للأثرياء لا تحمل سوى خيارين: “ساهموا أكثر، أو استعدوا لعقوبات أشد”.

بالنسبة للكثيرين، شكّلت هذه الإجراءات الشرارة التي أججت الاستياء. تزايدت التكاليف، وتراجع مستوى الخدمات العامة، وباتت البيئة المحيطة تُرى كعدو .مبدعي الثروة. كل هذا دفع البعض إلى وصف المرحلة بـ”هجرة العقول” الكبرى القادمة.

وتُظهر التوقعات أن المملكة المتحدة ستخسر 9500 مليونير خلال هذا العام فقط، وهو ثاني أكبر نزوح عالمي بعد الصين، وفقًا لتقرير UBS Global Wealth لكن الهجرة لا تقتصر على رجال الأعمال وقادة الشركات؛ بل تشمل أيضًا عائلات بأكملها تسعى إلى نوعية حياة أفضل وتخفيف أعبائها المالية.

وسط هذا المشهد القاتم، أضحت دبي وجهة مفضلة للعديدين، لما توفره من بيئة اقتصادية قوية ومستوى حياة يزخر بالجودة والرفاهية

لماذا يفكر الأثرياء البريطانيون في المغادرة؟

لطالما كانت المملكة المتحدة موطنًا جذابًا للأثرياء، حيث تتوافر فيها مقومات الاستقرار الاقتصادي، والغنى الثقافي، والفرص التجارية الواعدة. لكن الضغوط المتزايدة على الثروات ونمط الحياة بدأت تدفع الأغنياء لإعادة التفكير في خياراتهم.

العبء الضريبي المتصاعد

مع ميزانية أكتوبر، دخلت بريطانيا في حقبة من السياسات الضريبية الصارمة التي يُنظر إليها على أنها تستهدف الأثرياء. فرضت ضريبة القيمة المضافة على رسوم المدارس الخاصة، مما زاد التكاليف بنسبة 20%، بينما ارتفعت ضرائب أرباح رأس المال، وظلت حدود ضرائب الميراث ثابتة، مما أدى إلى إخضاع المزيد من الممتلكات لضريبة بنسبة 40%.

دافعت وزيرة المالية، راشيل ريفز، عن هذه الزيادات بأنها ضرورية لتعزيز الخدمات العامة وضمان مالية عامة قوية. وأكدت أن الأعمال الناجحة تعتمد على هذه الخدمات. ومع ذلك، تُظهر التوقعات أن المملكة المتحدة ستفقد 17% من أثريائها بحلول عام 2028، حيث يواجه هؤلاء الأفراد معدلات ضرائب تُعد من بين الأعلى في أوروبا.

استياء يتجاوز الضرائب

الضرائب ليست سوى جزء من المشكلة. فقد ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل كبير، خاصة في المدن الكبرى مثل لندن، مما جعل حتى الأسلوب المعيشي المريح يبدو هشًا. ارتفاع معدلات الرهن العقاري وفواتير الخدمات ألقى بظلاله الثقيلة، بينما ازدادت التحديات في الخدمات العامة، مما عزز الشعور بأن بريطانيا لم تعد حاضنة لمبدعي الثروة.

جاذبية دبي

بالنسبة للعديد من البريطانيين الأثرياء، هناك رغبة في العثور على قاعدة جديدة توفر أمانًا ماليًا أفضل، ونوعية حياة أعلى، وبيئة أكثر دعمًا للنجاح، ودبي تفي بكل هذه المتطلبات.

بيئة خالية من الضرائب

تُعد البيئة الخالية من الضرائب في دبي واحدة من أكبر عوامل الجذب. فغياب ضريبة الدخل، وضريبة أرباح رأس المال، وضريبة الميراث يعني وفورات كبيرة لأولئك الذين يمتلكون ثروات كبيرة.

 بالإضافة إلى ذلك، يقدم العديد من أصحاب العمل في دبي مزايا سخية، بما في ذلك بدلات السكن ودعم رسوم المدارس، مما يجعل تكاليف المعيشة للمغتربين أكثر قابلية للإدارة. هذه العوامل تتيح للأفراد الأثرياء الحفاظ على ثرواتهم وتنميتها بطرق أصبحت أكثر صعوبة في المملكة المتحدة.

سهولة الانتقال: مفتاح جاذبية دبي

أصبحت دبي وجهة مثالية للراغبين في الانتقال بفضل سياسات مبسّطة تسهل إقامة واستقرار الأفراد والعائلات. من أبرز هذه المبادرات تأشيرة الإقامة الذهبية التي تتيح إقامة طويلة الأجل للمستثمرين ورواد الأعمال والمحترفين، مما يوفر لهم حرية العيش والعمل والدراسة في الإمارات مع تقليل التعقيدات البيروقراطية إلى أدنى حد.

بالإضافة إلى ذلك، فتحت تأشيرة العمل عن بُعد أبوابًا جديدة للمهنيين الذين يسعون إلى تحقيق مرونة أكبر في مساراتهم المهنية، مما يسمح لهم بالاستفادة من بيئة دبي المحفزة مع الحفاظ على ارتباطاتهم الدولية.

تُبرز سياسات دبي تركيز الحكومة على جذب المواهب والاستثمارات العالمية، من خلال تبسيط إجراءات تأسيس الأعمال، وتأمين التأشيرات، ونقل العائلات. هذه المرونة في الانتقال، التي تجمع بين الكفاءة وسهولة الإجراءات، كانت ولا تزال حجر الزاوية في تعزيز سمعة دبي كمركز عالمي للثروات والإمكانات.

من الذي ينتقل؟

تتنوع الفئات السكانية التي تقرر الانتقال، لكنها تتقاطع في نقطة واحدة: القدرة على اختيار الأفضل. يُقبل رواد الأعمال بشغف على دبي، حيث يجدون بيئة داعمة للأعمال تعزز طموحاتهم. أما المهنيون، كالمصرفيين والمديرين التنفيذيين، فإنهم ينجذبون إلى حزم تعويضات تنافسية وفرص عمل واعدة. في الوقت ذاته، بدأ غير المقيمين الذين كانوا يفضلون المملكة المتحدة في السابق بالاتجاه نحو دبي، مستفيدين من مزاياها الضريبية وأسلوب الحياة المتنوع الذي تقدمه.

حتى العائلات من الطبقة المتوسطة، التي تبحث عن حياة أفضل، بدأت هي الأخرى تستكشف الفرص المتاحة في دبي، مدفوعة بآمال تحسين مستوى المعيشة.

ما الذي يعنيه هذا بالنسبة للمملكة المتحدة؟

التأثير الاقتصادي

إن رحيل الأفراد ذوي الثروات العالية يُخلّف أثرًا اقتصاديًا بالغًا، حيث تشكل مساهمتهم الكبيرة في القاعدة الضريبية للمملكة المتحدة عاملاً حاسمًا. هذا الرحيل لا يؤدي فقط إلى فجوة في الإيرادات الضريبية، بل يترك أيضًا أثارًا ملموسة على مستوى الاستثمار التجاري وفرص خلق الوظائف.

يمكن استحضار أصداء “هجرة العقول” التي شهدتها السبعينيات، حيث تتكرر بعض ملامح الماضي في الحاضر. آنذاك، كما هو الحال الآن، لم تكن الضرائب العامل الوحيد المؤثر، بل كانت المسألة تدور حول الفرص المتاحة أو غيابها، وحول شعور بأن الحكومة تُعاقب النجاح بدلاً من مكافأته.

ليس الأمر متعلقًا بالضرائب فقط

رغم أن الضرائب قد تكون الحافز الأول للانتقال، إلا أنها ليست السبب الوحيد. فالكثيرون ممن يختارون الانتقال يبحثون عن أكثر من مجرد تخفيف الأعباء المالية؛ إنهم ينشدون جودة حياة أفضل: شوارع آمنة، خدمات عامة فعالة، وبيئة تعزز الطموح وتحفز النجاح.

بالنسبة للبعض، باتت المملكة المتحدة تبدو كأنها مكان تُعاقب فيه الجهود والطموحات بدلاً من أن تُكافأ. ومع تصاعد التكاليف وتزايد الإحساس بعدم الكفاءة وتدهور الأوضاع، يصبح قرار الانتقال أقل ارتباطًا بالمال وأكثر تعلقًا بالقيم والتطلعات المستقبلية.

تحديات المغادرة

مغادرة المملكة المتحدة ليست ببساطة حجز تذكرة طيران والانطلاق. حتى بالنسبة للأثرياء، فإن قرار الانتقال يحمل في طياته عقبات وتعقيدات. تواجه العائلات قرارات مؤلمة تتعلق بانتزاع الأطفال من بيئتهم المألوفة وإعادة تكوين حياتهم في مكان جديد. أما أصحاب الأعمال، فيواجهون تحديات تتعلق بالحفاظ على الروابط مع المملكة المتحدة، سواء عبر الممتلكات أو الجنسية أو العمليات التجارية، وهو ما يتطلب تخطيطًا دقيقًا واستراتيجيات طويلة الأمد.

وعلى الرغم من الإغراءات المالية التي قد تكون متاحة في الخارج، فإن الجاذبية العاطفية للوطن غالبًا ما تكون قوة لا يُستهان بها، تدفع البعض إلى التردد أو حتى العدول عن قرار المغادرة.

بالنسبة لبريطانيا، يشكل هذا الاتجاه طلقة تحذيرية قوية. فقدان العقول المميزة وأفضل الكفاءات لا يعني فقط انخفاضًا في الإيرادات الضريبية، بل يحمل تأثيرات أعمق قد تعيد تشكيل مستقبل الأمة. ما إذا كان هذا الوضع مؤقتًا أم انعكاسًا لمشاكل أعمق يعتمد بشكل كبير على استجابة المملكة المتحدة وقدرتها على استعادة ثقة هؤلاء البارزين وإقناعهم بالبقاء.

الصورة الأكبر: هل هذا اتجاه طويل الأمد؟

قد يُنظر إلى نزوح الأثرياء من بريطانيا على أنه رد فعل قصير الأمد على حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي. فبعد كل شيء، تتغير السياسات، وتتناوب الحكومات، وتخف الضغوط الاقتصادية بمرور الوقت. ومع ذلك، فإن حجم وطبيعة هذه الهجرة تشير إلى وجود شيء أعمق. العديد من الأفراد ذوي الثروات الكبيرة لا يبحثون فقط عن تخفيف الأعباء المالية، بل يسعون أيضًا إلى الاستقرار، والفرص، ونوعية حياة أعلى—وهي أمور توفرها دبي باستمرار مذهل.

المنافسة العالمية على المواهب والثروات

ليست المملكة المتحدة وحدها التي تواجه هذا التحدي. دول مثل الإمارات العربية المتحدة، والبرتغال، وسنغافورة تخوض سباقًا شرسًا لجذب المواهب والاستثمارات العالمية. تقدم هذه الوجهات مزايا واضحة، مثل الضرائب المنخفضة أو المعدومة، وبرامج إقامة مبسطة، ونوعية حياة عالية.

تشمل هذه البرامج تأشيرة الإقامة الذهبية في دبي، وبرنامج الإقامة غير الاعتيادية (NHR) في البرتغال، وبرنامج المستثمر العالمي في سنغافورة، الذي يتيح الإقامة الدائمة للأفراد ذوي الثروات الكبيرة الذين يقومون باستثمارات كبيرة في الاقتصاد المحلي. وقد أثبتت هذه البرامج نجاحها الكبير في استقطاب الأثرياء.

في المقابل، يبدو أن المملكة المتحدة قد اختارت مسارًا معاكسًا، مضاعفة سياسات يراها كثيرون على أنها عقابية.

التداعيات المستقبلية

إذا استمر هذا الاتجاه، فإن التداعيات ستكون بعيدة المدى. بالنسبة للمملكة المتحدة، فإن فقدان مبدعي الثروة قد يؤدي إلى تآكل القاعدة الضريبية، وكبح الابتكار، وزيادة تثبيط الاستثمار. في المقابل، ستستفيد دبي والمراكز المشابهة من تدفق المواهب ورؤوس الأموال، مما يعزز مواقعها كمراكز عالمية للثروات.

على مستوى أوسع، قد تُسرّع هذه الهجرة التحولات في السياسات الضريبية الدولية، حيث تسعى الحكومات لإيجاد طرق تحد من هذا التدفق أو تنافس بشكل أكثر فاعلية. ومع تزايد التنقل العالمي، يزداد الضغط على الدول لتقديم بيئات تدعم النجاح بدلاً من معاقبته.

يبقى السؤال الرئيسي: هل تستطيع المملكة المتحدة التكيف مع هذا الواقع الجديد؟ أم أنها تخاطر بالتخلف عن الركب في عالم أصبحت فيه الحركة مرتبطة بالفرص بقدر ارتباطها بالأموال؟

للاطلاع على  أحدث الأخبار  و أخبار  الشركات من السعودية والإمارات ودول الخليج تابعنا عبر تويتر  و  لينكد إن وسجل اعجابك على فيسبوك واشترك بقناتنا على يوتيوب  والتي يتم تحديثها يوميا
شيلدون لابوشين

شيلدون لابوشين

الرئيس التنفيذي لمجموعة نايتسبريدج، يعمل في مجالات الاستثمار الدولي وهجرة الأعمال منذ عام 2010، حيث اكتسب خبرة...