على مدى الأشهر القليلة الماضية، أصبح الذكاء الاصطناعي محط جدل واسع، إذ يُنظر إليه كقوة قادرة على تحويل العالم والسيطرة عليه في يوم من الأيام. ولكن هذه الافتراضات قد لا تبرز قدرات الذكاء الاصطناعي الفعلية، خاصةً في مجال علوم الحياة على المدى القريب. مع تطوّر الذكاء الاصطناعي، يزداد الاهتمام العام بإمكانياته التي تَعِد بثورة في مجال البحث الطبي وتحسين الرعاية الصحية. ومن المتوقع أن يساهم ذلك بشكل كبير في تحقيق تقدم هائل نحو تمديد عمر الإنسان.Top of Form
اكتشاف الأدوية والبحوث الطبية
يمثل اكتشاف الأدوية والبحوث الطبية شقا أساسي ضمن المجالات التي يحدث فيها الذكاء تأثيرا كبيرا. يعد تطوير الأدوية بالطريقة التقليدية عملية بطيئة ومكلفة، إذ يتّسم الذكاء الاصطناعي بإمكانية عالية على تسريع عملية تطوير الأدوية بشكل هائل. يقوم الذكاء الاصطناعي بذلك من خلال استخدام طرق تحليل البيانات المتقدمة لمعالجة مجموعات بيانات واسعة من مصادر متنوعة، مثل البيانات الجينية والأدب العلمي والتجارب السريرية. كما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحدد مرشحين للأدوية المحتملة، فضلاً عن إمكانيته على توقع فعاليتها وتحسين تصاميمها. وكل ذلك لا يدخر الوقت والموارد فحسب، بل يمنح فرصة جديدة لعلاج الأمراض المستعصية.
الطب الدقيق والرعاية الصحية الشخصية
بفضل الذكاء الاصطناعي، نشهد تحوّلا في الطب من نظام علاج أحادي ثابت يناسب الجميع إلى نظام الرعاية الصحية الشخصية الذي يمكن تعديله حسب الاحتياجات الفردية لكل مريض. يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تحليل بيانات المرضى الخاصة، مثل المعلومات الجينية وعوامل نمط الحياة وتاريخ الأمراض، وبالتالي المساعدة على وضع خطط علاج أكثر فعالية تماشياً مع احتياجات كل مريض. يساهم هذا التحوّل نحو الطب الدقيق في تحسين نتائج المرضى بشكل كبير والحد من التفاعلات السلبية والضارة جراء العلاجات ذات النهج الأحادي الثابت.
التشخيص بواسطة الذكاء الاصطناعي
يعتبر التشخيص الدقيق والسريع أمراً مهمّاً للوصول إلى العلاج الفعّال. تبرز أدوات التشخيص بواسطة الذكاء في مجال فحص البيانات الطبية الواسعة والمعقدة بشكل فعّال، مثل الصور والفحوصات وسجلات المرضى، وذلك بهدف اكتشاف وتحديد الأمراض في المراحل المبكرة. يمكن أيضاً للذكاء الاصطناعي مساعدة الأطباء في إجراء تشخيصات دقيقة، مما يقلل من إمكانية وقوع الأخطاء البشرية، فضلاً عن تعزيز مستوى الرعاية الصحية للمرضى.
تحليلات الذكاء الاصطناعي
يشهد مجال علوم الحياة نمواً هائلاً في إنتاج البيانات، إذ يُثبت الذكاء الاصطناعي دوره المحوري في استخراج معلومات قيّمة كان من الصعب الكشف عنها في السابق. وبالتالي يعمل الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال على تحليل كميات هائلة من البيانات الطبية المعقدة، من الصور والفحوصات إلى سجلات المرضى. ويمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على الوصول إلى اكتشافات غير مسبوقة وتعزيز الفهم العميق للأمراض المعقدة وآلياتها الأساسية، وذلك من خلال دمج وتحليل مصادر البيانات المتنوعة والأمراض المعقدة. ونتيجة لذلك، تمهد القدرات التحولية للذكاء الاصطناعي في علوم الحياة الطريق لإمكانيات جديدة في مجالات البحث والتشخيص والعلاج.
الاعتبارات الأخلاقية
مع انخراط الذكاء الاصطناعي بشكل عميق في نظام الرعاية الصحية، من الضروري التعامل بحرص مع القضايا الأخلاقية الناتجة عنه. إن الاعتبارات الأخلاقية الرئيسية التي يجب التعامل معها بعناية لضمان الاستخدام المسؤول والأخلاقي للذكاء الاصطناعي في مجال علوم الحياة تشمل خصوصية البيانات وموافقة المرضى على مشاركة بياناتهم، والتحيّز في خوارزميات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الشفافية في عملية اتخاذ القرارات.
التعاون بين الإنسان والذكاء الاصطناعي
يمتلك الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة لتعزيز قدرات الإنسان، إذ يمكن للجهود التعاونية بين أنظمة الذكاء الاصطناعي والباحثين البشر أو محترفي الرعاية الصحية أن تحقق نتائج لا يمكن لأي منهما تحقيقها بمفرده. ومن خلال التأكيد على فعالية هذه الشراكة، يتسنى لنا تحقيق بحوث علمية مثمرة ورعاية أفضل للمرضى.
تمديد عمر الإنسان
عن طريق الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي في علوم الحياة، يتمثّل هدفنا الرئيسي في تمديد عمر الإنسان وتحسين جودة الحياة. ومن خلال التقدم في مجال البحث الطبي والعلاجات الشخصية والتشخيصات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، يمكننا تحديد الأمراض في وقت مبكر والتدخل بفعالية أكبر وتطوير علاجات مبتكرة تستبق وتعالج الأسباب الجذرية للأمراض المرتبطة بالشيخوخة.
المخاطر والتحديات المحتملة
على الرغم من الفوائد الهائلة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي في علوم الحياة، لا يمكن التغاضي عن المخاطر والتحديات المحتملة التي يمكن أن نتعرض إليها في مسيرتنا التقدمية. يتطلب ضمان سلامة وأمان وموثوقية أنظمة الذكاء الاصطناعي اهتماما بالغا. هناك أيضاً مخاوف تتعلق بفقدان الناس لوظائفهم، إذ يمكن لبعض المهام التي كانت تُنفّذ تقليدياً بواسطة البشر أن تتم أوتوماتيكياً بواسطة الذكاء الاصطناعي. يجب علينا مواجهة هذه التحديات من خلال تطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول ووضع ضوابط دقيقة لإدارته.
يجب علينا أيضاً أن نعي أهمية التوازن الدقيق بين الابتكار والمسؤولية، وذلك في ظل سعينا للاستفادة من قدرات الذكاء الاصطناعي الضخمة في علوم الحياة لتمديد عمر الإنسان بما يتجاوز المعدلات الحالية. ومع بداية هذه الرحلة التحولية معاً، من الضروري تعزيز التعاون المشترك بين العلماء في مجالات الرعاية الصحية، والقائمين على بناء السياسات، وخبراء الذكاء الاصطناعي.
ويمكن لهذه الخبرات مجتمعة أن تبني أنظمة ذكاء اصطناعي متقدمة وموجهة بمبادئ أخلاقية وتفانٍ لأجل خدمة الإنسان. من خلال اعتماد هذا النهج الشامل، يمكننا أن نفتح أفقاً جديدةً لإمكانات الذكاء الاصطناعي باعتباره حلاً متيناً ضمن جهودنا الرامية إلى التقدم في مجالات البحث الطبي وتعزيز الرعاية الصحية.
نهج دولة الإمارات المتقدم في مجال الاستدامة العمرية
تتألق دولة الإمارات، وخاصة العاصمة أبوظبي، كمركز رئيسي يضم مؤسسات حكومية متقدمة تولي الرعاية الصحية اهتماماً كبيراً. وقد تجلّى ذلك خلال جائحة كورونا، إذ تصدّرت أبوظبي لائحة المدن من حيث السلامة على مستوى العالم.
وتدرك الحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي وعلى مستوى العالم أن الصحة تعادل الثروة. إن استكشاف الطرق التي يمكننا من خلالها إطالة معدل الحياة ليس أمر متعلق بالرعاية الصحية فحسب، بل يشمل جوانب أخرى مثل التكنولوجيا المالية وتكنولوجيا الثروة وتكنولوجيا التقاعد وتكنولوجيا التأمين. يعد الابتكار والخدمات المالية مثل البطاقة البنكية الخاصة بالشيخوخة الصحية في المملكة المتحدة مثالاً على أهمية دمج الرعاية الصحية مع التمويل.
قمنا مؤخراً بتوثيق ورسم الخريطة الكاملة للنظام البيئي لتكنولوجيا الرعاية الصحية في دولة الإمارات، حيث يضم النظام البيئي أكثر من 1,000 جهة فاعلة تشمل العيادات وشركات تكنولوجيا الرعاية الصحية والمختبرات والمستثمرين. وتهدف هذه المنصة إلى تعزيز الشراكات والتعاون ضمن الدولة وخارجها، وذلك دعماً لنهج شامل يتجاوز الرعاية الصحية وحدها.
تتصدر دولة الإمارات الجهود الإقليمية الرامية إلى استكشاف طرق جديدة لإطالة العمر، وتمتلك الإطار المناسب لتنفيذ استراتيجية وطنية متطورة بهدف تعزيز مستوى الاستدامة العمرية.