أفاد تقارير اليوم الأربعاء أن قرارات الحكومة اللبنانية الرامية لتخفيض رواتب موظفي القطاع العام تهدد بـ “ثورة اجتماعية” بدأت ملامحها باحتجاجات في الشارع أمس الثلاثاء خرجت استباقاً لأي خطوة قد تلجأ إليها الحكومة في الموازنة العامة للعام 2019.
وقالت وكالة رويترز إنه رغم أن الحكومة اللبنانية لم تعلن عن موازنتها العامة لعام 2019 بعد، لكن المتظاهرين تحركوا في الشوارع بالفعل خشية الإصلاحات “الصعبة والمؤلمة” المتوقع أن تقرها الحكومة.
فقد قام عدد من ضباط الجيش المتقاعدين بإغلاق الطرق بإطارات مشتعلة يوم أمس الثلاثاء، في تحذير استباقي للحكومة من أي تخفيضات في معاشاتهم التقاعدية قد تأتي في إطار محاولتها لتخفيض واحد من أكبر أعباء الديون العامة في العالم.
وعلى الرغم من صغر حجم الاحتجاجات، إلا أنها قدمت لمحة عن حقل الألغام السياسي الذي يواجه الحكومة اللبنانية في سعيها للوفاء بوعود الإصلاحات الضرورية لوضع المالية العامة على مسار مستدام.
ويُنظر إلى الموازنة العامة على أنها اختبار حاسم لإرادة الحكومة في تنفيذ إصلاحات متوقفة منذ زمن طويل يصفها الاقتصاديون بأنها أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى بالنسبة لاقتصاد عانى من تدني معدلات النمو لسنوات.
وقال خالد عمار أحد ضباط الجيش المتقاعدين الذين كانوا يغلقون الطريق السريع بجنوب بيروت أمس الثلاثاء “عم يحاولوا يحملوا الموظف… مشاكل بلد كتير كبيرة، مشاكل سياسية مشاكل اقتصادية، ونحن نزلنا اليوم لنقول لهم إن معاشاتنا خط أحمر”.
وعلى الرغم من أنه لم يتم وضع اللمسات الأخيرة على الموازنة بعد، إلا أن تكهنات خطط خفض فاتورة الأجور العامة الضخمة تزايدت منذ أن ألمح وزير الخارجية جبران باسيل إلى مثل هذه الخطوات يوم السبت الماضي.
وكتب على تويتر “هناك من يجب أن ينبه الناس اليوم إلى أن التخفيض المؤقت إذا لم يحصل فلن يبقى معاش لأحد، وأنا أقول للناس ألا يجوز النظر فقط إلى جيوبهم فهذا الأمر يجب أن يكون جزءا ضئيلا مما يجب تخفيضه في الدولة، وإذا كان يجب البدء بالوزراء والنواب فليكن”.
وبدورها، أوصت شركة ماكنزي الأمريكية -المكلفة بدراسة الوضع الاقتصادي اللبناني- بخفض الرواتب والأجور وتجميد التوظيف في القطاع العام، بالإضافة إلى إصلاحات تطال قطاعات كثيرة.
وأشار المتظاهرون إلى أن التصدي للفساد يجب أن يكون أولوية الحكومة.
وقال عمار، وهو أب لثلاثة أبناء خدم في الجيش ثلاثة عقود “إذا وصل وضع البلد الاقتصادي لهذه المرحلة الصعبة وكل هذه المشاكل، فلسنا نحن المسؤولين عنها. السياسيون هم المسؤولون عنها”.
ويحذر الزعماء اللبنانيون من الأزمة الاقتصادية منذ فترة. وفي فبراير/شباط الماضي، التزمت الحكومة الجديدة في بيان بإطلاق إصلاحات سريعة وفعالة قد تكون “صعبة ومؤلمة” لتفادي تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية.
وعبر رئيس الوزراء سعد الحريري الأسبوع الماضي عن خوفه من أن يحدث في لبنان “كما حصل في اليونان”، في إشارة إلى الأزمة المالية التي مر بها قبل عقد من الزمن. لكنه أضاف “هذا ما لا يجب أن يحصل، فلا يخف أحد لأننا سنقوم بإجراءات تنقذ البلد من أي مشكل اقتصادي”.
وفي مؤتمر باريس العام الماضي، وعد لبنان بخفض عجز موازنته بنسبة واحد بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً على مدى خمس سنوات. والآن، يتطلع الاقتصاديون إلى خفض أكبر لأن عجز العام الماضي كان أكبر من المتوقع، إذ تراوحت نسبته بين 10.5 و11 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بدلاً من 8.2 بالمئة التي كانت متوقعة.
ومن شأن الخطوات الجادة نحو الإصلاحات أن تساعد لبنان في الحصول على تمويل بقيمة نحو 11 مليار دولار تعهدت به المؤسسات المانحة والحكومات الأجنبية في باريس.
ووافقت الحكومة الأسبوع الماضي على خطة لإصلاح قطاع الكهرباء، الذي شكل عبئاً كبيراً على موارد الدولة المالية لسنوات. وحذر نشطاء قطاع الطاقة في لبنان من أن تنفيذ الخطة قد يكون أصعب من الموافقة عليها، مشيرين إلى خطط سابقة لم يتم تنفيذها مطلقاً.
وتشكل رواتب موظفي القطاع العام العبء الأكبر على الدولة تليها خدمة الدين العام الذي بات يعادل حوالي 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وارتفعت فاتورة الأجور في العام 2017 بعد الاتفاق على الزيادات قبل الانتخابات البرلمانية.
ويأمل نسيب غبريل، كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس اللبناني، بانخفاض العجز اثنين بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، ويقول إن الإصلاحات يجب أن تشمل إغلاق الكثير من المؤسسات والهيئات التي لا تعود بالفائدة على الدولة.
وقال “يتعين عليهم تجميد التوظيف وتجميد الزيادات في الرواتب في المستقبل وزيادة الفوائد وعليهم خفض عدد موظفي القطاع العام وإعادة هيكلة هذا القطاع كما تفعل الشركات عندما تواجه صعوبات مالية”.
وأضاف “لقد شهد القطاع العام توظيف 31 ألف شخص على مدى السنوات الأربع الماضية – أكثر من القطاع المالي بأكمله”.