نعيش اليوم وسط أزمة عالمية طالت أثارها أكثر من ستة ملايين شخص أصيب بفيروس كورونا حول العالم حتى الآن، وفرضت الحكومات تدابير صحية قاسية للتصدي لها كحظر التجول واغلاق المدن وغيرها من توجيهات التباعد الاجتماعي، حيث غيرت هذه التدابير جزءاً كبيراً من حياتنا، لا سيما التعليم فقد أغلقت المدارس والجامعات أبوابها وجرى استبدالها وبشكل عاجل بتقنيات التعلم عن بعد التي أصبحت النظام التعليمي الجديد على مستوى العالم خلال هذه الفترة.
وكغيرها من الدول تتخذ دول مجلس التعاون الخليجي التي تضم أكثر من 12 مليون طالب وطالبة من كافة المستويات، على عاتقها مسؤولية كبيرة لتوفير أطر تنظيمية فعالة لقطاع التعليم بوصفه واحداً من القطاعات الأساسية لتحقيق أهداف التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ويذكر أنه قد تسببت أزمات صحية سابقة كجائحة مرض الالتهاب الرئوي الحاد “سارس” في 2003 ومرض فيروس الإيبولا في 2013 بخسائر اقتصادية وغيرها من الآثار الاجتماعية التي امتدت لفترة طويلة، الأمر الذي استدعى من الحكومات في العالم ومن ضمنها حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى سرعة التصدي لتداعيات هذه الجائحة من قبل مختلف القطاعات، حيث سارعت الوزارات المعنية بالتعليم في اطلاق عدد من مبادرات التعليم عن بعد ووضعت خططاً لتطبيق أدوات التعاون والمناهج التفاعلية، بما يضمن الاستمرار في تحقيقها أهدافها الرامية إلى مستقبل تعليمي واعد.
وقد تابعنا عمل المنظومات التعليمية لدول مجلس التعاون الخليجي للتصدي لتداعيات هذه الأزمة من خلال مبادرات مختلفة نذكر منها على سبيل المثال قيام دولة الإمارات بتكثيف جهودها الرامية إلى تدريب الطاقم التعليمي، في حين أطلقت المملكة العربية السعودية جائزة التدريس عن بعد لتعزيز التميز في التدريس والتقييم عن بعد، وقامت دولة الكويت بتعديل التقويم الأكاديمي للعام الجاري ليتناسب مع متطلبات المرحلة، كما أبرمت مملكة البحرين مجموعة من الشراكات عبر الانترنت لتعزيز البنية التحتية للتعليم، وشهدت سلطنة عٌمان إطلاق مجموعة من الحلول الرقمية التي تدعم التعليم عن بعد عبر توفير الدروس المتلفزة.
إن الاستجابة السريعة لهذه الجائحة أثبتت نجاحها على المدى القصير في المحافظة على استمرارية العملية التعليمية، إلا أن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية الناجمة عنها ستبقى أثارها إلى فترات أطول، فعلى سبيل المثال، أشار تقرير صادر عن شركة الاستشارات الإدارية “أوليفر وايمان”، إلى أنه وبشكل عام فإن إغلاق المدارس والجامعات لفترات طويلة سيؤدي إلى فقدان 0.1٪ إلى 0.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي كل أربعة أسابيع. بالإضافة إلى ذلك فإن التعليم والتقييم عن بعد سوف يؤثر على مخرجات التعليم خصوصاً اذا ما استمر لفترات طويلة.
لذلك من المهم وضع استراتيجية شاملة من الحكومات تأخذ في الاعتبار جميع الأطراف المعنية الرئيسيين بما في ذلك الإدارات التعليمية والمدراس الحكومية والخاصة ومنسوبيها والموردين ومقدمي الخدمات بالإضافة إلى المستفيدين من طلبة وأولياء أمور.
كما تمثل هذه الجائحة فرصة للحكومات في دول مجلس التعاون الخليجي لمواجهة التحديات المستقبلية والارتقاء بالمنظومة التعليمة بشكل عام من خلال حلول مبتكرة للتعليم والتعلم عن بعد. ويتطلب على المدارس والجامعات سرعة التكيف والعمل على تحقيق التوازن بين توفير التعليم ضمن أعلى المعايير العالمية وبين التكاليف المترتبة.