هل لديك المهارات التي يعجز أمامها الذكاء الاصطناعي؟ مهارات أساسية عليك بتطويرها

يشير دارون عاصم أوغلو الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 2024، في مقابلة صحفية مؤخرا، إلى أهمية العنصر البشري قائلا إن الموارد الأساسية للشركات هي الموارد البشرية لأنها جوهر نجاح التفاعل الاجتماعي والقدرة على اتخاذ القرار أو الحكم الصائب فضلا عن الذكاء الاجتماعي (الذكاء الاجتماعي هو عامل ضروري لفهم العلاقات الاجتماعية والنجاح في إدارتها، فيما يقتصر الذكاء الاصطناعي على تزويد الذكاء المعرفي، ويساعد الذكاء الاجتماعي على فهم مشاعر وأفكار وسلوكيات الآخرين، والاستجابة المناسبة لها- المحرر) .

يمتلك البشر العديد من المهارات التي يصعب على الذكاء الاصطناعي إتقانها أو يعجز عن تقليدها بفعالية. ولا تزال هذه القدرات البشرية الفريدة أساسية على الرغم من التقدم السريع للذكاء الاصطناعي. وتشمل المهارات الرئيسية التي يتفوق فيها البشر على الذكاء الاصطناعي قائمة طويلة من المهارات الرئيسية التي لا يزال البشر يتفوقون فيها على الذكاء الاصطناعي، وتتضمن تلك، المهارات التالية:

الذكاء الاجتماعي والتعاطف الفعلي

يعني ذلك القدرة على فهم عميق للمشاعر الإنسانية وإدارتها والتعاطف معها، والقدرة على الإحساس بوجود مشاعر محددة وامتلاك خبرة شخصية وفهم ذاتي للتعقيدات العاطفية للحياة البشرية. كما يشمل الذكاء الاجتماعي التكيف مع المواقف الاجتماعية، مثل القدرة على ملاحظة التوتر أو المشاعر السائدة في مجموعة والتكيف معها، مثل تعديل أسلوب الحديث ليناسب مختلف المجموعات والمواقف بتواصل المتقن (اللفظي وغير اللفظي)، فلا تنفع اللغة الأكاديمية المتخصصة مع جمهور أغلبه من الشباب على سبيل المثال. كما تبرز مهارات التفاعل الاجتماعي من خلال بناء علاقات وطيدة وثقة تستند إلى دراية بالتفاصيل الشخصية عن الآخرين والإلمام باستخدامها في التعاملات المستقبلية، ومثلا، المعلمة والمعلم الناجحين يبنون جسور الود (rapport) مع الطلاب لضمان لفت انتباه الطلاب وفهمهم وبدون ذلك لا يتم نجاح عملية التعليم. ويتطلب الأمر ترسيخ علاقة ودية مع الطلاب تشمل الوفاء بالوعود وتقديم المساعدة عند الحاجة، فضلا عن بناء الثقة والولاء والألفة من خلال التجارب المشتركة والتفاهم المتبادل.

التواصل الذكي

يخسر بعض المتحدثين أمام الجمهور انتباه أغلب الحضور خلال أول ثوان من بدء حديثهم في حال عدم اختيار المتحدث للغة مناسبة للتواصل مع الجمهور، بما هو بعيد عن الاصطلاحات التقنية المعقدة على سبيل المثال. ويشمل التواصل الذكي التعبير عن وجهات النظر بوضوح دون عدوانية، وملاحظة الإشارات الخفية مثل لغة الجسد وتعديل الأسلوب وفقاً لذلك، مثل استخدام التواصل البصري المناسب والإيماءات الجذابة وتعديل نبرة الحديث ووتيرته بناءً على ملاحظات الجمهور أو استجابتهم.

التفكير النقدي وحل المشاكل

يشمل ذلك تقييم الأمور بطريقة شاملة وحل النزاعات وتهدئة التصعيد، أو التدخل لتسهيل محادثة بناءة بين أطراف متنازعة من خلال خلق مساحة آمنة للحوار وحل المشكلات، كذلك هو الحال مع مهارة تلقي النقد بانفتاح وطرح أسئلة للاستفسار والتفهم بدلاً من اتخاذ موقف دفاعي. ويتميز البشر خلال حل المشكلات المعقدة بتحليل المواقف الحرجة من وجهات نظر متعددة، ومناقشة الافتراضات، وحل المشكلات الجديدة بطرق مبتكرة. وفيما يستطيع الذكاء الاصطناعي معالجة مجموعات بيانات ضخمة وأداء مهام متكررة، يفتقر إلى القدرة على تقييم المخرجات بشكل نقدي، وتحديد مجال التحيز، أو حل المشكلات غير المتوقعة دون إشراف بشري (هل يمكن لنظام ذكاء اصطناعي لدى بنك إغلاق حساب بطاقتك الإئتمانية بناء على طلبك في حال فقدانك للبطاقة، دون إشراف بشري؟ ينجح البشر في أغلب الأحيان في اتخاذ قرارات معقدة تنطوي على اعتبارات أخلاقية نابعة من فهم دقيق للقيم الإنسانية والحكم حسب كل موقف (السياق)، وذلك من خلال تقييم الآثار الأخلاقية وموازنة القيم المتضاربة، فضلا عن اتخاذ القرارات في مواقف غامضة تستند لمعايير معقدة مثل صواب الحكم من الجانب الأخلاقي. كما يستطيع البشر التكيف بسرعة مع البيئات المتغيرة، وتعلم مهارات جديدة، والاستجابة بشكل إبداعي للتحديات غير المتوقعة. تتطلب أنظمة الذكاء الاصطناعي عادةً إعادة تدريب أو إعادة برمجة للتعامل مع المهام الجديدة، ولا يمكنها التكيف بمرونة في الوقت الفعلي كما يفعل البشر.

الإبداع والأصالة

امتلاك إبداع حقيقي ومستقل يتجاوز مجرد توليد محتوى من بيانات موجودة، ويستخدم البشر أحياناً الحدس والخيال وتحدي المعايير، وتوليد أفكار تتجاوز الأنماط السائدة. كما يشمل الابداع الاعتماد على “الحدس” عند اتخاذ القرارات في المواقف المعقدة أو غير المؤكدة، وذلك من خلال امتلاك فهم غريزي دون تفكير واعٍ. وفي حين أن الذكاء الاصطناعي قادر على توليد محتوى بناءً على بيانات موجودة، إلا أن الإبداع الحقيقي مثل إنتاج أفكار أصلية أصيلة، وتعبير فني، وحلول مبتكرة – يبقى قوة بشرية. يفتقر الذكاء الاصطناعي أي إلى الصفات البديهية والخيالية التي تغذي الإبداع الذكاء العاطفي والتعاطف يفهم البشر العواطف ويستجيبون لها بدقة وتعاطف، مما يُمكّنهم من بناء العلاقات، وإدارة التفاعلات الاجتماعية، واتخاذ قرارات تراعي المشاعر الإنسانية. لا يستطيع الذكاء الاصطناعي اختبار العواطف أو التعاطف بصدق، مما يحد من فعاليته في الأدوار التي تتطلب تواصلًا عاطفيًا، مثل العلاج أو القيادة والحكم الأخلاقي حين يتطلب اتخاذ القرارات الأخلاقية المعقدة فهمًا عميقًا للسياقات الثقافية والاجتماعية والأخلاقية، بالإضافة إلى التجارب الذاتية.

القيم والوعي

يتبع الذكاء الاصطناعي قواعد مبرمجة ويفتقر إلى القيم الحقيقية أو الوعي، مما يجعله غير قادر على التفكير الأخلاقي الدقيق أو الحكم الأخلاقي في المواقف الحرجة. كما يستفيد البشر من فهم المواقف حسب سياق حدوثها وذلك حسب الحس السليم، وتسمى أحيانا الأصول أو الأعراف، ويستوعب البشر تحولات السياق، ويفهمون المعطيات العشوائية مثل المقولات أو الأمثال الشعبية والأدب أو المحادثات المجردة، ويطبقون المنطق السليم على مواقف متنوعة. يُعاني الذكاء الاصطناعي من صعوبات في التعامل مع الفروق الدقيقة، والفكاهة، والسخرية، والتكيف مع السيناريوهات غير المتوقعة أو الجديدة دون برمجة مسبقة مكثفة. فضلا عن فهم المعايير والحدود الاجتماعية والأعراف، مثل معرفة كيفية التصرف في مختلف المواقف الاجتماعية، وإدراك المواضيع المناسبة ومتى يتحدث المرء أو يصمت، فضلا عن احترام المساحة الشخصية للآخرين، وإدراك متى يحتاج شخص ما إلى مساحة أو لا يرغب في مناقشة موضوع معين.

القيادة ومهارات التعامل مع الآخرين

تتضمن القيادة الفعالة تحفيز الآخرين وإلهامهم وتوجيههم من خلال التواصل والتأثير والبصيرة العاطفية – وهي مهارات لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تقليدها. كما يعتمد التعاون وحل النزاعات وديناميكيات الفريق بشكل كبير على المهارات الاجتماعية البشرية، والقدرة على التفسير وشرح مصدر الحكم. ومثلاً، يعمل الذكاء الاصطناعي غالباً كـ”صندوق أسود”، حيث يُنتج مخرجات دون تفسيرات واضحة، مما يقلل من الثقة والمساءلة. يستطيع البشر التعبير عن منطقهم وتبرير قراراتهم بطرق لا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بها حاليًا.

تلك هي أبرز المهارات البشرية الضرورية، وهي غالبا ما تكون للمهام و للأدوار التي تتطلب الحكم والابتكار والتعاطف والاعتبارات الأخلاقية، وهي تجعل البشر لا غنى عنهم عند استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي التي تروج لها بعض الشركات على أنها سبيل فعال للأتمتة والاستغناء عن الموظفين لدواعي تخفيض النفقات.