Posted inأخبار أريبيان بزنس

ما هو التحدي الأكبر لهدر الطعام في الإمارات؟

يتحدث تييري ديزانكلوس، الرئيس التنفيذي لشركة فيولا الإمارات عن هدر الطعام

يُمثّل هدر الطعام تحديًا عالميًا ومحليًا ضخمًا، لا يقتصر تأثيره على الهدر الغذائي فحسب، بل يمتد ليشمل المياه والطاقة والاقتصاد والتغير المناخي. ففي الوقت الذي تُقدر فيه تكلفة فقد وهدر الغذاء عالميًا بنحو تريليون دولار أمريكي سنويًا، تتحمل دولة الإمارات وحدها فاتورة سنوية تصل إلى 6 مليارات درهم إماراتي نتيجة هدر حوالي 38% من الطعام المُحضّر. في هذا الحوار، يتحدث تييري ديزانكلوس، الرئيس التنفيذي لشركة فيولا الإمارات، عن الأبعاد المتعددة لهذه الأزمة. ويُحدد ديزانكلوس التحدي الأكبر في “غياب إطار موحّد للمساءلة والحوافز” يربط بين الحكومة وقطاع الأعمال والمستهلكين، مشددًا على أهمية تحويل السياسات الاستراتيجية، مثل “خطة عمل نِعمة”، إلى ممارسات تنفيذية قابلة للقياس المشترك.

تييري ديزانكلوس، الرئيس التنفيذي لشركة فيولا الإمارات مع قضية هدر الطعام، ما هو أكبر تحدٍّ في جمع جميع الأطراف المعنية — الحكومة، وقطاع الأعمال، والمستهلكين — على مسارٍ واحد نحو الحلول؟ أحد أبرز العوائق يتمثل في غياب إطار موحّد للمساءلة والحوافز يربط بين جميع الأطراف المعنية. فمبادرات مثل Ne’ma Food Loss and Waste Reduction Roadmap، التي تشكّل خطة عمل قوية تهدف إلى خفض فقد وهدر الطعام في دولة الإمارات بنسبة 50% بحلول عام 2030، تُعدّ مثالًا رائدًا يوفّر إطارًا استراتيجيًا وخارطة طريق وطنية. غير أن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه السياسات إلى ممارسات تنفيذية على جميع المستويات — سواء في قطاع التجزئة، أو الضيافة، أو داخل الأسر — مع ضرورة وجود معايير قياس موحدة ومساءلة مشتركة بين القطاعات. غالبًا ما يُعطي قطاع الأعمال الأولوية لإدارة التكلفة والمخاطر على حساب الاستدامة طويلة الأمد، بينما يفتقر المستهلكون إلى الوعي أو الأدوات العملية لتغيير سلوكياتهم. ومن دون وضوح في الأدوار ومؤشرات قياس مشتركة وتنسيق للحوافز، يستمر التشتت. ولردم هذه الفجوة، نحتاج إلى تنسيق قوي بين القطاعين العام والخاص، وإلى التقارير الإلزامية وحملات توعية تقودهامؤسسات موثوقة. وفي الإمارات، يُعدّ مشروع Sharjah Waste to Energy Plant في إمارة الشارقة — وهو شراكة بين BEEAH وMasdar وVeolia — نموذجًا حيًا على كيف يمكن للتعاون بين القطاعات أن يثمر حلولًا قابلة للتوسّع. فمن خلال تحويل النفايات إلى طاقة، لا يقتصر دور هذا المشروع على معالجة النفايات فحسب، بل يساهم أيضًا في تحقيق أهداف الدولة في مجال الاستدامة. وقد احتفلنا العام الماضي بإنجازٍ تاريخي تمثل في معالجة 500,000 طن من النفايات منذ بدء تشغيل المحطة عام 2023. سؤال 2: كيف تتجاوز مشكلة هدر الطعام حدود الغذاء نفسه؟ وما هي الانعكاسات المالية على الشركات؟ وكيف يمكن لممارسات الإدارة الذكية للنفايات أن تحوّل التكاليف إلى وفورات أو حتى فرص إيراد جديدة؟ عندما يُهدر الطعام، لا يضيع الطعام فحسب، بل كل ما استُثمر في إنتاجه — من العمل والمياه والطاقة والنقل والتعبئة وحتى تكلفة التخلص منه. ويُقدّر على الصعيد العالمي أن نحو خُمس إجمالي الغذاء المنتج للاستهلاك البشري يُفقد أو يُهدر، أي ما يعادل مليار وجبة يوميًا. التأثير الاقتصادي هائل، إذ تصل تكلفة فقد وهدر الغذاء إلى نحو تريليون دولار أمريكي سنويًا. وفي دولة الإمارات، يُقدّر أن نحو 38% من الطعام المُحضّر يُهدر سنويًا، ما يُكلّف الاقتصاد ستة مليارات درهم إماراتي كل عام. بالنسبة للشركات، يُمثّل الهدر تكاليف غارقة وهوامش ضائعة — من البضائع غير المباعة، والتلف، ورسوم التخلص، وخسائر المناولة. ومن خلال تطبيق ممارسات أفضل مثل التنبؤ بالطلب، والاستثمار في سلاسل التبريد، والتبرع بالفائض، وتحويل النفايات إلى موارد، يمكن تقليص التكاليف التشغيلية. فالفائض الغذائي يمكن تحويله إلى سماد أو علف حيواني أو غاز حيوي، ما يخلق مصادر دخل جديدة أو يقلل المصروفات. كما أن الكفاءة التشغيلية المكتسبة تعزّز القدرة التنافسية وتدعم مؤشرات الاستدامة والمسؤولية البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، التي أصبحت ذات تأثير متزايد في قرارات المستثمرين والعملاء. وفي دولة الإمارات، تدعم Veolia هذا التحوّل من خلال حلول متكاملة لإدارة النفايات لقطاعات الأغذية والضيافة، تشمل أنظمة الفرز الذكية وتقنيات متقدمة مثل التحويل الحيوي والكم posting والهضم اللاهوائي، التي تحول النفايات العضوية إلى طاقة متجددة و أسمدة حيوية. وتساعد هذه المبادرات شركاءنا في تقليل بصمتهم البيئية والمساهمة في تحقيق الأهداف الوطنية الخاصة بتحويل النفايات واستعادة الموارد. سؤال 3: من وجهة نظركم، ما العامل الأهم الذي يسهم في ارتفاع معدلات هدر الطعام في الإمارات والمنطقة — هل هو سلوك المستهلكين أم ضعف كفاءة سلاسل التوريد، أم كلاهما؟ هناك عدة عوامل مؤثرة، لكنني أرى أن سلوك المستهلكين غالبًا ما يكون العامل الأبرز. فالعادات الثقافية المتعلقة بالكرم والضيافة المفرطة والإعداد الزائد للطعام — سواء خلال شهر رمضان أو في المناسبات الرسمية والأعراس — تؤدي دون قصد إلى فائض كبير وهدر ملحوظ. ورغم أن هذه الممارسات نابعة من النية الطيبة، إلا أنها تخلق تحديات بيئية واقتصادية. أما سلاسل التوريد، فتفاقم المشكلة من خلال درجات الحرارة المرتفعة، ومحدودية التبريد، وتأخر الاستيراد، وضعف أنظمة رصد الفاقد الغذائي، ما يزيد من احتمالات التلف والهدر. سؤال 4: ما الآثار البيئية لهدر الطعام، وكيف يمكن للشركات أن تدرك “بصمتها الغذائية” وتلتزم بالتغيير الإيجابي؟ لهدر الطعام أثر بيئي ضخم، فهو لا يعني فقد الغذاء فقط، بل أيضًا المياه والطاقة والأراضي والعمالة المستخدمة لإنتاجه. عالميًا، يُسهم هدر الطعام في 8 إلى 10% من انبعاثات الغازات الدفيئة، ما يجعله من أكبر مسببات تغير المناخ ومصدرًا رئيسًا لغاز الميثان. يمكن للشركات البدء بقياس حجم الهدر في سلاسل التوريد الخاصة بها، وتحويله إلى بيانات عن الكربون والمياه والتكلفة لفهم “البصمة الغذائية” الحقيقية. كما أن تحديد أهداف واضحة للخفض ومواءمتها مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (UN SDGs) والإفصاح العلني عن التقدم المحقق يعزّز المساءلة. بالإضافة إلى ذلك، يُعدّ دمج ممارسات الوقاية من الهدر في مراحل التوريد والإنتاج والتصميم، واستكشاف حلول مثل التحويل إلى سماد، خطوات فعالة لتحويل الهدر إلى مورد ذي قيمة. فالتغييرات الصغيرة المنتظمة يمكن أن تُحدث تأثيرًا كبيرًا في بناء نظام غذائي أكثر مسؤولية. وفي Veolia، تسهم حلولنا في الشرق الأوسط، بما فيها مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة، في خفض النفايات الموجهة إلى المكبات ومساعدة الشركات والبلديات على تحويل النفايات إلى طاقة أو حتى إلى مياه. وبهذا نُقدّم مثالًا ملموسًا على تحويل هدر الطعام إلى مورد بيئي واقتصادي، بما يتماشى مع خطة Veolia GreenUp 2024–2027، التي تركّز على تحقيق الحياد الكربوني، ومكافحة التلوث، وتجديد الموارد الطبيعية. سؤال 5: هل هناك أمثلة على تحول هدر الطعام من عبء إلى مورد ذي قيمة، سواء في المنطقة أو على المستوى العالمي؟ نعم، هناك العديد من النماذج. فعلى الصعيد العالمي، يُعاد توظيف الفائض الغذائي لإنتاج السماد والعلف الحيواني والغاز الحيوي والبروتينات الجديدة. وفي الإمارات، على سبيل المثال، أنقذ Ne’ma Food Rescue Programme خلال شهر رمضان أكثر من 156,000 كيلوجرام من المنتجات الطازجة الفائضة، وأعاد توزيعها على أكثر من 5,000 أسرة. كما أن التعاون مع مهرجانات مثل Taste of Abu Dhabi وTaste of Dubai ساهم في تحويل فائض الطعام إلى سماد وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. هذه المبادرات تُظهر كيف يمكن أن يكون “الهدر” مادة أولية لحلول خضراء ومنافع مجتمعية. سؤال 6: هل تعتقد أن الشركات غالبًا ما تُغفل العائد طويل الأمد من تبنّي ممارسات الاقتصاد الدائري؟ وما الحوافز أو الأطر التي يمكن أن تسرّع وتيرة تبنّيها؟ أعتقد أن عددًا متزايدًا من الشركات بدأ يدرك قيمة ممارسات الاقتصاد الدائري، خاصة مع الزخم الحكومي في المنطقة، مثل إعلان عام الاستدامة واستضافة COP27 وCOP28، إلى جانب الحملات الوطنية التي تبرز أهمية كفاءة استخدام الموارد. ومع ذلك، لا يزال كثير من الشركات ينظر إلى “الاقتصاد الدائري” كهدف بعيد المدى أكثر من كونه استثمارًا عاجلًا. ويعود ذلك عادة إلى رأس المال المطلوب مقدمًا، والتحولات الهيكلية في العمليات، والحاجة إلى تغيير السلوك المؤسسي. ومن دون وجود مقاييس واضحة أو نتائج قصيرة الأجل ملموسة، يبدو العائد على الاستثمار غير مؤكد. ولتسريع التبنّي، نحتاج إلى آليات دعم عملية مثل الحوافز المالية للاستثمارات الدائرية، والتقارير الإلزامية عن النفايات، ووضع أهداف واضحة للتحويل عن المكبات، وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. كما أن إطلاق شهادات معترف بها للممارسات الدائرية ودمج معايير الاستدامة في المشتريات الحكومية يمكن أن يمنح الشركات الدافع والإطار للانتقال إلى هذا النهج. سؤال 7: ما أبرز التقنيات أو الحلول المبتكرة التي تراها قادرة على جعل إدارة هدر الطعام أكثر سهولة وفعالية للأفراد والشركات؟ نشهد اليوم ابتكارات تجعل إدارة هدر الطعام أكثر عملية وسهولة. فهناك أجهزة استشعار ذكية وأنظمة مراقبة تعمل بتقنية إنترنت الأشياء (IoT) تُحسن ظروف التخزين مثل الحرارة والرطوبة لتقليل التلف، وتقنيات الذكاء الاصطناعي (AI) التي تدعم التنبؤ بالطلب وتحد من الإنتاج المفرط أو التخزين الزائد، إلى جانب التعبئة الذكية التي تنبّه المستخدمين عند اقتراب انتهاء صلاحية الطعام. أما في جانب استعادة الموارد، فهناك تقنيات مثل الهضم اللاهوائي والتحويل إلى سماد والتحويل الحيوي، التي تحول النفايات إلى طاقة أو علف أو مواد حيوية. كما تسهّل المنصات الرقمية والتطبيقات الذكية عمليات التبرع بالطعام أو تبادله بين الأفراد وحتى على مستوى الفعاليات. وفي المنازل، بدأت الثلاجات الذكية المزودة بالذكاء الاصطناعي بتتبع تواريخ انتهاء الصلاحية واقتراح وصفات لتقليل الفاقد. إن دمج هذه الابتكارات مع تغيّر سلوكي واعٍ هو مفتاح التوسع في اعتماد ممارسات الحد من الهدر وجعلها متاحة للجميع. سؤال 8: كيف تتصورون مستقبل إدارة هدر الطعام في الخليج خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة؟ وما التحولات أو الابتكارات الكبرى التي تتوقعونها؟ أتوقع أن يتطور النظام الإقليمي نحو أنظمة غذائية دائرية قائمة على البيانات. وبفضل الرؤية القيادية في المنطقة، هناك خارطة طريق واضحة لعدد من المبادرات الطموحة. أعتقد أن الحكومات ستُعزز القوانين لتشمل إلزامية التقارير الخاصة بالنفايات، وأهداف التحويل عن المكبات، وتعميم برامج مشابهة لـ Ne’ma في مختلف دول الخليج. كما سنشهد تحسينات في البنية التحتية لسلاسل التوريد وسلاسل التبريد تعمل بالطاقة المتجددة وتستخدم اللوجستيات الذكية وأنظمة تتبع الفاقد الغذائي لتقليل الفاقد في المراحل الأولى. إضافة إلى ذلك، ستتوسع شبكات إعادة توزيع الفائض الغذائي، وبنوك الطعام، وتقنيات تحويل النفايات إلى موارد مثل السماد والغاز الحيوي والعلف. وسيلعب الذكاء الاصطناعي دورًا محوريًا في التنبؤ والمراقبة والربط بين الجهات المختلفة، مما سيُتيح لدول الخليج أن تكون في طليعة الابتكار في مجال إدارة هدر الطعام، عبر تحقيق توازن بين الاستدامة والأمن الغذائي والمردود الاقتصادي.

فريق التحرير

فريق التحرير

فريق تحرير أربيان بزنس يمثل مجموعة من المحترفين. يجمع الفريق بين الخبرة الواسعة والرؤية الابتكارية في عالم الصحافة...