لا يتردد د. عمر بن سليمان في قول ما يفكر به. “يمكنني أن أخبرك عن نقاط القوة والضعف لدى جميع القادة الذين يعملون معي. في الأسبوع الأول أو حتى في اليوم الأول، أستطيع تمييز من سينجح ومن سيفشل”.
ويشهد سجله الحافل على أنه اكتشف العديد من قصص النجاح على مر السنين. فمجموعته، التي تأسست قبل عشرين عاماً، هي الآن مجموعة عالمية متنامية ومثيرة للإعجاب، تمتد مصالحها في قطاعات السيارات، ونمط الحياة، والعقارات، والخدمات اللوجستية، والتجارة، والأغذية والمشروبات، والتجزئة والاستثمار. وقد أثبت د. عمر أنه الأفضل في اكتشاف واستثمار وتنمية بعض أفضل العلامات التجارية في العالم.
ما سر نجاحه؟ يقول د. عمر: “بفضل من الله سبحانه وتعالى، وبفضل قادة وطننا أصحاب الرؤية الثاقبة الذين زودونا بالعلم والفرص وأسس النجاح، أفخر بأن هذا النهج أصبح جزءاً لا يتجزأ من تكويني الشخصي. أنا بطبعي شخص سريع الملل. عليك أن تتقن أمراً واحداً أولاً وتجعله ناجحاً وقابلاً للتطور والتوسع، ثم تنتقل إلى الأمر التالي. لا بد أن تمتلك عقلية رائد الأعمال لكي تستطيع تنمية المشروع وتحقيق نجاح باهر، وعندها فقط إما أن تستمر كمالك للمشروع أو تتحول إلى مستثمر.”
في حالته هو، انتقل من دور المالك إلى دور المستثمر قبل 12 عاماً، غير أن وتيرة النمو ظلت متسارعة بلا هوادة، حيث حصدت مجموعة بن سليمان جائزة “أسرع شركة نمواً للعام 2023” وتم اختيارها ضمن قائمة أفضل 100 “شركة مرموقة في الشرق الأوسط”، كما أن عدداً من الشركات التابعة لمجموعة بن سليمان في طريقها لتصبح شركات ذات قيمة مليارية (يونيكورن).

حقق قطاع ما بعد البيع للسيارات التابع لـ OBS وحده نمواً في الإيرادات بنسبة %173 خلال العام الماضي، في حين شهدت إحدى علاماته التجارية الجديدة في مجال نمط الحياة زيادة مذهلة في الإيرادات بنسبة %2000. وتمتد مصالحه التجارية الآن عبر أسواق الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
مما يقود إلى السؤال البديهي: كيف يتابع كل هذه الأعمال في أماكن مختلفة كثيرة، مع أشخاص مختلفين كثر؟
“لدي نظام عمل مباشر وبسيط. أتلقى بريداً إلكترونياً أسبوعياً كل يوم ثلاثاء حيث يقوم قادة الشركات في المجموعة بالإبلاغ عن إنجازات الأسبوع الماضي فقط، لا شيء غير ذلك. النقاط المختصرة مرحب بها جداً. عندما تتحدث، يمكنك المراوغة حول الكثير من الأشياء. لكن عندما تكتب يجب أن تفكر فيما فعلته حقاً. إنه تقييم ذاتي. وعليك أن تبدأ في التخطيط للأسبوع المقبل، ماذا ستنجز”، يقول، مضيفاً: “يجب أن يأتي البريد الإلكتروني في ذلك اليوم بغض النظر عن الظروف، ليس قبله أو بعده، وحتى إذا لم يكن لديك إنجازات – هذا مقبول، لن تتم معاقبتك على ذلك. إذا مر أسبوع دون إنجازات فهذا مقبول، وإذا استمر الوضع لأسبوعين فما زال الأمر محتملاً. أما إذا وصل الأمر إلى ثلاثة أسابيع، فهنا يتضح أن ثمة مشكلة حقيقية. وعندها، إما أن تطور من أدائك وتحسن من إنتاجيتك، أو تجد نفسك خارج المؤسسة تلقائياً.”
من الواضح أن أسلوبه القيادي يؤتي ثماره. فمع امتلاكها لأكبر شبكة توزيع في المنطقة، برزت مجموعة بن سليمان – OBS على مدى العقدين الماضيين كقوة رائدة في سوق ما بعد البيع للسيارات في المنطقة، مقدمة مجموعة كبيرة من المنتجات والخدمات المبتكرة والمستدامة.
ولم تقتصر جهودهم على وضع معايير للصناعة فحسب، بل كانت أيضاً عاملاً أساسياً في رعاية وتوسيع نظام ما بعد البيع للسيارات في جميع أسواقهم التشغيلية. وقد أرسى هذا الالتزام الراسخ بالابتكار والاستدامة مكانتهم كمنارة توجيهية في قطاع ما بعد البيع للسيارات.

ومن بين أقسامهم المتنوعة والمزدهرة، تبرز قطاعات تجارة التجزئة الفاخرة، والأغذية والمشروبات، والسلع الاستهلاكية سريعة الحركة، حيث يحفر كل منها مكانة فريدة في السوق العالمية. وتمتلك المجموعة علامات العطور الفاخرة العالمية، مثل ميزون فرانسيس كوركدجيان (MFK) المعروفة بعطر باكارات، والعلامات التجارية الفرنسية ميزون أوريجين باريس وأكثر من 20 علامة تجارية فاخرة، على سبيل المثال لا الحصر. ولا يقل مشروع المجموعة في مجال تجارة التجزئة الفاخرة تميزاً، حيث تُعد متاجر سنتيتيود العلامة التجارية الوحيدة للبوتيكات التي تقدم منصة سلسة متعددة القنوات للعلامات العالمية الفاخرة والمتخصصة في العطور، مقدمةً تجربة غامرة وشخصية ترسي معايير جديدة في قطاع الرفاهية.

يشارف قسم الاستثمار في المجموعة على إتمام صفقات استراتيجية للحصول على حصص في نخبة من العلامات التجارية العالمية للعطور الفاخرة، ساعياً إلى استثمار طاقاتها وجودتها والنهوض بها إلى آفاق عالمية أرحب، مع ترسيخ مكانتها في أبرز الأسواق العالمية.
وفي قطاع الأغذية والمشروبات، دخلت المجموعة في شراكة مع إيلي كافيه، العلامة الإيطالية العريقة في عالم القهوة، في دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعتزم توسيع نشاط إيلي كافيه ليشمل المملكة العربية السعودية في عام 2025.

يقول د. عمر بن سليمان إن أكبر تحدٍ – وهو تحدٍ يبدو أنه ينجح فيه باستمرار – هو اكتشاف المواهب المناسبة لإدارة علاماته التجارية وامتلاك البنية التحتية المناسبة.
“تُشكل البنية التحتية لمجموعتنا ركيزة أساسية في نجاحنا”، يقول. “فقد أسسنا مركزاً موحداً يضم كافة الخدمات المساندة – من مالية وموارد بشرية وخدمات لوجستية – يخدم جميع شركاتنا حول العالم. هذا النظام المتكامل يمنح قادة أعمالنا وشركاتنا الحرية الكاملة للتركيز على جوهر عملهم، شريطة أن يكونوا الأشخاص المناسبين لتلك المهمة. فبينما يركزون على تنمية المبيعات والتطوير والابتكار، نحن نوفر لهم كل الدعم الإداري والتشغيلي اللازم. وبفضل هذا النظام، يستطيع قادتنا تحقيق في يوم واحد ما قد يستغرق غيرهم عامين لإنجازه.”
ويتجلى شغف مؤسس المجموعة العميق بالفن والتبادل الثقافي في قسمها الجديد، بن سليمان آرت+ للثقافة والفنون. وانطلاقاً من الرؤية الطموحة التي رسمتها قيادة دولة الإمارات، سيعمل بن سليمان آرت+ على نسج شبكة من التعاون الإقليمي والعالمي لإرساء منظومة إبداعية حيوية تحظى باعتراف عالمي، تُثري التبادل الثقافي وتفتح آفاقاً جديدة للابتكار الفني.
لكن كيف يكتشف المواهب فعلاً؟ لا يهم أين أو متى، فهو يمتلك ببساطة هذه الموهبة.
“تخيل أنني وظّفت شخصاً على متن طائرة!” يقول مبتسماً. “كنت جالساً بجواره، ودار بيننا حديث عفوي انتهى بتوقيع عقد عمل على ظهر مجلة – أعتقد أنها كانت مجلة أريبيان بزنس. فأنا أمتلك حاسة تخبرني منذ اللحظة الأولى إن كان الشخص يمتلك ذلك العنصر المميز أم لا. ما الذي أبحث عنه تحديداً؟ أولاً الشخصية – أريد أشخاصاً يجمعون بين اللطف والانفتاح الذهني. ثم أنظر إلى قدرتهم على التنفيذ والإنجاز، وأهم من ذلك كله: هل يمتلكون الشغف والالتزام الحقيقي تجاه ما يفعلون؟”
على متن طائرة؟! “نعم، وتفاصيل ذلك اللقاء لا تزال عالقة في ذهني. بدأ الأمر بسؤال بسيط عن عمله، لكن ما لفت انتباهي هو الشغف الذي تدفق من كلماته وهو يتحدث. شعرت فوراً أنني أمام فرصة لا تعوض، فقلت له بعفوية: “لمَ لا نحول هذا الحديث إلى فرصة حقيقية؟ سنكون محظوظين إذا انضممت إلى فريقنا.” حين طلب وقتاً للتفكير، ابتسمت وأشرت إلى ساعتي قائلاً: “أمامنا ساعات حتى تهبط الطائرة، فلنستغلها في الاتفاق على التفاصيل.”

وبينما يتمتع بموهبة فذة في اكتشاف المواهب، فإن الدكتور عمر نفسه يُعد موهبة نادرة. فقد تقلّد، تحت قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مناصب قيادية مرموقة في القطاعين الحكومي والخاص.
وشغل منصب نائب رئيس مصرف الإمارات المركزي بدرجة وزير في الحكومة الاتحادية. كما كان أول محافظ لمركز دبي المالي العالمي، حيث قاد المركز ليصبح أسرع مركز مالي نمواً على مستوى العالم.
كما قاد تطوير بورصة دبي المالية العالمية (ناسداك دبي)، أول بورصة مالية دولية في المنطقة. وقبل انضمامه إلى مركز دبي المالي العالمي، كان د. عمر بن سليمان الرئيس التنفيذي لمدينة دبي للإنترنت (DIC) وشركة تيكوم وشركة دبي لصناعات الطيران.
سابقاً، شغل د. عمر بن سليمان مناصب بارزة، منها رئيس استثمارات مركز دبي المالي العالمي، وعضو لجنة الاقتصاد والتجارة التي أنشأها المجلس التنفيذي لإمارة دبي، ونائب رئيس مؤسسة دبي العقارية (وصل)، ونائب رئيس مركز دبي للتوحد، والمدير المؤسس لهيئة دبي للثقافة والفنون، والرئيس المؤسس لآرت دبي، وعضو مجلس إدارة كلية IMD سويسرا، وأسس كليتي لندن للأعمال وكاس للأعمال في دبي وغيرها.
عمر بن سليمان.. دكتوراه في القيادة وماجستير في العلوم
يحمل الكتور عمر بن سليمان دكتوراه في القيادة وماجستير في العلوم من جامعة جنوب كاليفورنيا (USC)، وماجستير في إدارة الأعمال المالية، وبكالوريوس في الهندسة الصناعية من جامعة ميامي.
وعن المستقبل، يقول إن بعض شركات المجموعة قد تتجه في مرحلة ما نحو الطرح العام الأولي، رغم عدم وجود خطط فورية لذلك. أما عن نفسه، فيوضح: “أستمتع بهذا الدور. لا أتدخل إلا عند بداية المشاريع أو حين لا تسير الأمور وفق الخطة المرسومة. حتى لو لم أذهب إلى المكتب خلال العام المقبل، ستستمر الأعمال بشكل ممتاز بفضل الله. النجاح يحتاج إلى فريق متميز، وهذا ما نملكه بالفعل.”