Posted inصوت الشركاءآخر الأخبارأخبار أريبيان بزنسصحة

إستونيا: قصة تحول رقمي تعيد تشكيل مستقبل الرعاية الصحية

تحظى إستونيا بميزة فريدة بفضل رقمنة 99% من بياناتها الصحية، حيث يمتلك جميع أفراد المجتمع سجلات صحية رقمية يمكن الوصول إليها بسهولة وأمان.

إستونيا

منذ استقلالها في أوائل التسعينيات، وضعت إستونيا رؤية طموحة للتحول الرقمي، ولم تتوانَ عن اتخاذ خطوات جريئة لتحقيق هذه الرؤية. اليوم، تُعد إستونيا نموذجاً عالمياً للرعاية الصحية الرقمية، حيث تسعى إلى تقديم رعاية صحية تعتمد على البيانات وتعزز من تجربة الفرد وتضمن الوصول السهل إلى المعلومات الصحية لكل مواطن. ويمثل هذا التطور إنجازاً ملهماً للحكومات الأخرى، إذ يُبرز كيف يمكن تحقيق ابتكارات كبرى في الرعاية الصحية عبر توظيف التكنولوجيا الحديثة.

كانت بداية الرحلة عبر استثمارات حكومية جريئة أسست بنية تحتية رقمية متينة، مدعومة بسياسات مشجعة على الابتكار وتكنولوجيا البيانات. وعلى مر عقدين من الزمن، استثمرت إستونيا بجدية في تأسيس بنية تحتية وطنية للصحة الرقمية، مما مهّد الطريق لتطوير نظام رعاية صحية يعتمد كلياً على الحلول الرقمية.

اليوم، تحظى إستونيا بميزة فريدة بفضل رقمنة 99% من بياناتها الصحية، حيث يمتلك جميع أفراد المجتمع سجلات صحية رقمية يمكن الوصول إليها بسهولة وأمان. وتُظهر مكانتها الريادية بوضوح تصنيفها كدولة رائدة في مجال الصحة الرقمية وفقاً لمؤشر الصحة الرقمية لعام 2024 الصادر عن مؤسسة بيرتلسمان، الذي يقرّ بتميزها في دمج التكنولوجيا بالرعاية الصحية.

البنية التحتية الرقمية للرعاية الصحية في إستونيا

من أبرز مكونات النظام الصحي الرقمي الإستوني هو “السجل الصحي الإلكتروني” (e-Health Record) الذي يمكّن المواطنين من الوصول إلى بياناتهم الصحية بشكلٍ آمن وشامل. يتصل هذا السجل بالعديد من الخدمات العامة من خلال منصة “X-Road”، ما يجعل تجربة الرعاية الصحية جزءًا من النظام الرقمي العام، ويوفر واجهة متكاملة للمرضى والأطباء والمستشفيات.

تتيح بوابات المرضى الرقمية في إستونيا خدمات مرنة، مثل الوصول إلى الوصفات الطبية الإلكترونية، وحجز المواعيد، وتلقي نتائج الفحوصات الصحية. كما تقود إستونيا العالم في مجال الوصفات الرقمية، حيث أصبحت الوصفات الطبية قابلة للتجديد والتنفيذ بسهولة عن بُعد. بالإضافة إلى ذلك، يتم استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي لدعم التشخيص الطبي واتخاذ قرارات طبية أسرع وأكثر دقة، مما يعزز كفاءة النظام الصحي.

الشركات الصحية الإستونية الرائدة

تحفل إستونيا بعدد من الشركات التي قدمت حلولاً مبتكرة أثرت إيجابياً في الرعاية الصحية الرقمية حول العالم، ومنها:

  • ميغريفينشن (Migrevention): تُعد أول عيادة رقمية بالكامل لعلاج الصداع في العالم، مقدمةً رعاية متخصصة تعتمد على بيانات المرضى وتوظيف تقنيات تضمن نتائج فعّالة.
  • سيفنث سينس (Seventh Sense): تعمل على تطوير تقنية الرؤية بالتخاطر عن بُعد، مما يمكّن المكفوفين من إدراك محيطهم والتنقل بسهولة عبر تقنية مبتكرة.
  • أنتيجينز (Antegenes): تقدم اختبارات جينية متقدمة لتحديد الاستعداد الوراثي للإصابة بالسرطان باستخدام تقنية نقاط المخاطر متعددة الجينات، ما يتيح التشخيص المبكر والوقاية.
  • سبيك تي إكس (SpeakTX): منصة رقمية متخصصة في دعم وعلاج مشاكل النطق واللغة.
  • كونيرس (CoNurse): منصة شاملة لدعم العاملين في مجال الرعاية الصحية، مما يتيح توفير موارد معلوماتية شاملة وتحسين تجربة العمل.
  • مينكن ترايلز (Menken Trials): تقدم حلاً مبتكراً لإدارة التجارب السريرية عبر أتمتة الوثائق الأساسية لضمان دقة التجارب وسرعتها وتقليل الجهد اليدوي.
  • مايوتون (Myoton): تقدم معياراً جديداً لتقييم الأنسجة الرخوة من خلال الجس الرقمي، مما يوفر أداة فعالة لتحليل البيانات الصحية.
  • نانورديكا ميديكال (Nanordica Medical): تُقدم منتجات متطورة مضادة للبكتيريا لاعتناءٍ أفضل بالجروح، مما يجعلها حلاً مبتكراً في مجال الرعاية الصحية.

الشراكات بين القطاعين العام والخاص

لم يكن لإستونيا أن تحقق هذه القفزة في التكنولوجيا الصحية دون التعاون الفعّال بين القطاعين العام والخاص. أسست الحكومة شراكات استراتيجية مع شركات تقنية رائدة ومؤسسات بحثية، مما مكّنها من توفير بنية تحتية قوية ومبتكرة للرعاية الصحية. ويعد مركز الجينوم في إستونيا مثالاً بارزاً، حيث تم جمع بيانات جينوم 20% من السكان البالغين، مما يعزز من قدرات البحوث الطبية وتطوير علاجات مخصصة.

بفضل هذه الشراكات، نجحت إستونيا في تطبيق تقنيات مثل منصة “X-Road” لتبادل البيانات الآمن عبر الأنظمة المختلفة، إضافة إلى حاضنات مثل “Health Founders” التي تدعم الابتكار وتدفع شركات الرعاية الصحية الناشئة نحو تقديم حلول جديدة تلبي احتياجات السوق.

التغلب على تحديات البيانات والأمن

لم تكن رحلتها نحو الرقمنة خالية من التحديات، خاصةً في مجالات الخصوصية وأمن البيانات. واجهت إستونيا هذه التحديات بتقديم أطر تنظيمية صارمة وتقنيات تشفير متقدمة. كما بذلت جهودًا لتثقيف المواطنين حول أهمية الأمن الرقمي، مما أسهم في تعزيز ثقتهم في النظام الصحي الرقمي. وتُظهر تجربة إستونيا أن مواجهة التحديات التقنية يتطلب سياسات واعية وشفافة لبناء الثقة العامة.

استشراف المستقبل في الرعاية الصحية الرقمية

مع نجاحها في إرساء أسس قوية للرعاية الصحية الرقمية، تتطلع إستونيا إلى الاستفادة من التقنيات الناشئة مثل التعلم الآلي والتحليلات التنبؤية لتعزيز تجربة الرعاية الصحية. كما تسعى إلى تحقيق مزيد من التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير أدوات صحية أكثر استجابة وفعالية تتناسب مع احتياجات الأفراد.

تعد إستونيا مثالاً رائداً لما يمكن تحقيقه عندما تتوفر رؤية واضحة واستثمار جاد في التكنولوجيا. فمن خلال الابتكار والشراكات الاستراتيجية، تمكنت من توفير خدمات صحية رقمية عالية الكفاءة وتطوير نموذج قابل للتطبيق في دول أخرى. إن نجاح إستونيا في تقديم نظام رعاية صحية رقمي يعتمد على التكنولوجيا يلهم الدول الأخرى للاستفادة من تجاربها وتطبيق سياسات مشابهة لتحسين جودة الرعاية الصحية لمواطنيها.

للاطلاع على  أحدث الأخبار  و أخبار  الشركات من السعودية والإمارات ودول الخليج تابعنا عبر تويتر  و  لينكد إن وسجل اعجابك على فيسبوك واشترك بقناتنا على يوتيوب  والتي يتم تحديثها يوميا